السلطة الرابعةسياسةغير مصنف

“بوليساريو” بين الإفلاس السياسي والوعي الجماهيري

التلويح بالتصعيد العسكري يدخل في إطار مناورات الجبهة لإخماد الاحتجاجات الداخلية

مباشرة بعد إعلان أمانة جبهة “بوليساريو” عن نيتها طرح وثيقة لضبط علاقتها بالأمم المتحدة، حل، صبيحة الثلاثاء الماضي، بالقاعدة العسكرية الغزواني، غرب الرابوني، بمخيمات تندوف، وفد يضم ضباطا جزائريين، وآخرين يحملون جنسية جنوب إفريقيا والموزمبيق، بالتزامن مع تلويح قيادة “بوليساريو” بمراجعة تعاملها مع الأمم المتحدة، والتهديد بطرد بعثتها إلى الصحراء (مينورسو) من المنطقة العازلة، في إطار عملية تروم محاولة إعطاء الجزائر، وحليفتها جنوب إفريقيا، فرصة إثارة ملف الصحراء لدى الأمم المتحدة، من جهة، وتحويل انتباه الأمم المتحدة، من أجل إحياء المسار السياسي، من جهة ثانية، وإلهاء الرأي العام في المخيم الذي يكاد ينفجر، خصوصا بعد التضييفات الجزائرية الأخيرة على حرية التنقل، التي أثارت موجة من الاحتجاجات أمام مكتب إبراهيم غالي.
ويأتي حلول الوفد العسكري الإفريقي كذلك في سياق إعلان مكتب ابراهيم غالي قرار إحداث وحدات عسكرية جديدة على شكل “كوماندوس”، للعمل بمحاذاة الحزام الدفاعي للقوات المسلحة المغربية، قبل أن يخرج منسق أركان قوات “بوليساريو”، محمد إبراهيم بيدلا، ليطلب، عبر تلفزيون الجبهة، من الراغبين في العودة إلى صفوف الجيش، الالتحاق مباشرة بمكتبه، شرط توفرهم على اللياقة البدنية المطلوبة.
واستجاب لهذا النداء، لحد الآن، 156 شخصا تم إلحاقهم ضمن المجموعة التي يعكف الوفد الجزائري الإفريقي على تكوينها، بمركز الغزواني، على فنون القتال اليدوية، ونزع الألغام والرماية، وحصص تطبيقية على بعض الأسلحة، قبل أن يتم نقلهم، إلى جانب الدفعة التي ستتخرج في شتنبر المقبل، من مدرسة الشهيد الوالي العسكرية إلى مقر اللواء التاسع المدرع للقوات الجزائرية، الواقع على بعد 170 كيلومترا من تندوف، لتلقي تدريبات إضافية، قبل الدفع بهم إلى المنطقة العازلة.
إلا أن التسريب المتعمد لخبر تنظيم هذه الدورة المؤطرة من قبل ضباط أفارقة، عبر حسابات “فيسبوك” لبعض المتدربين أنفسهم، وكذلك خروج شاحنات محملة بمواد البناء نهارا، وعلى مرأى من السكان، في اتجاه المنطقة العازلة، عبر نقاط المراقبة الجزائرية، عزز فرضية أن ما تقوم به “بوليساريو” مجرد مسرحية محبوكة مع الجزائريين، من أجل إطفاء غضب السكان، الذين يزدادون وعيا بأن قادة “بوليساريو” ليس لهم ما يقدمون لهم من مبررات من أجل الاستمرار في تحمل المزيد من المعاناة، سوى التلويح باستئناف الحرب، تحت يافطة الوفاء لدماء الشهداء، وكذلك الترويج لانخراط الجيش الجزائري في استعادة جاهزية الجيش الصحراوي، كما يدل على ذلك استقبال إبراهيم غالي، إلى جانب محمد لمين البوهالي، ليلة الاثنين الماضي، للوفد الجزائري الإفريقي، الذي يقوده اللواء ناصر الدين فضيل، نائب قائد الناحية العسكرية الثالثة، المعروف بقربه من سعيد شنقريحة، إذ كان ساعده الأيمن لمدة سنتين، إبان تولي الأخير قيادة القوات البرية، وضبطه لملف الصحراء، بحكم عمله، طيلة عمله، إلى جانب الجنرال التوفيق، بـ “دي إر إس” سابقا.
التلويح بالتصعيد العسكري يدخل، لا محالة، في إطار مناورات الجبهة لإخماد الاحتجاجات في المخيمات، وتحريف الأنظار عن سرقة الأموال الموجهة لبرنامج “عطل في سلام”، والخلافات الطاحنة بين أبرز القيادات، التي باتت تطرح مسألة خلافة غالي على العلن، إذ أصبح الحديث عن سناريوهات خلافة إبراهيم غالي حديث الخاص والعام بالمخيمات، ما زاد في تأجيج الصراع بين من يرون في عبد القادر الطالب عمر رجل المرحلة بامتياز، رغم انتمائه القبلي لغير الرقيبات، وبين من يؤكد أن مصطفى سيد البشير وحمة سلامة هما الأبرز والأجدر قبليا لخلافة غالي، الذي باتت مظاهر ضعفه لا تخطئها العين، خصوصا في السيطرة على المشهد الداخلي، المتميز باضطرابه منذ توليه قيادة الجبهة.
أمام ضيق هامش المناورة في ما يخص تطورات ملف الصحراء وتعالي الاحتجاجات ضد تفاقم الأوضاع المعيشية، ليس أمام إبراهيم غالي خيار سوى المغالاة على الواجهة العسكرية، إذ من المنتظر أن يقوم مستقبلا بزيارة تفتيش للنواحي العسكرية لأجل التضخيم الإعلامي وإعطاء دفعة للوثيقة التي قدمتها الجبهة لمكتب “غوتيريس”، ليكون سكان المخيم على موعد مع كذبة جديدة تضاعف معاناتهم، وستضيع عليهم المزيد من الوقت بعيدا عن وطنهم.

بقلم: الفاضل الرقيبي الصباح

Enter the text or HTML code here

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى